قضية الإعجاز البياني بدأت تفرض وجودها على العرب من أول المبعث ، فمنذ تلا المصطفى عليه الصلاة و السلام في قومه ما تلقى من كلمات ربه ، أدركت قريش ما لهذا البيان القرآني من إعجاز لا يملك أي عربي يجد حسَّ لغته و ذوقها الأصيل ، سليقة و طبعاً ، إلا أن يسلم بأنه ليس من قول البشر.
من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش ، على أن يحولوا بين العرب و بين سماع هذا القرآن . فكان إذا أهل الموسم و آن وفود العرب للحج ، ترصدوا لها عند مداخل مكة ، و أخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء و أبيه و أخيه ، و بين المرء و زوجه وولده و عشيرته .
و ربما وصلت آيات منه إلى سمع أشدهم عداوة للإسلام، فألقى سلاحه مصدقاً و مبايعاً ، عن يقين بأن هذه الكلمات ليست من قول البشر.
حدثوا أن " عمر بن الخطاب " خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم و رهطاً من أصحابه ، في بين عنده " الصفا " سمع أنهم مجتمعون فيه ، فلقيه في الطريق من سأله :
ـ أين تريد يا عمر ؟
أجاب : أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش و سفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتا ، فأقتله .
قال له صاحبه :
ـ غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت محمداً ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟
سأله عمر ، وقد رابه ما سمع :
ـ أي أهل بيتي تعني؟
فأخبره أن صهره و ابن عمه " سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " قد أسلم .
و كذلك أسلمت زوجته ، أخت عمر " فاطمة بنت الخطاب".
فأخذ " عمر " طريقه إلي بيت صهره مستثار الغضب ، يريد أن يقتله و يقتل زوجته فاطمة . فما كاد يدنو من الباب حتى سمع تلاوة خافتة لآيات من سورة طه ، فدخل يلح طلب الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله ....
و انطلق من فوره إلي البيت الذي اجتمع فيه المصطفى بأصحابه ، فبايعه ، وأعز الله الإسلام بعمر ، وقد كان من أشد قريش عداوة للإسلام و حرباً للرسول . [سيرة بن هشام ] .
و في حديث بيعة العقبة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب صاحبه " مصعب بن عمير " ليذهب مع أصحاب العقبة إلى يثرب ، ليقرئهم القرآن و يعلمهم الإسلام . فنزل هناك على " أسعد بن زراة " الأنصاري الخزرجي .
فحدث أن خرجا يوماً إلى حي بني عبد الأشهل رجاء في أن يسلم بعض القوم . فما سمع كبير الحي " سعد بن معاذ ، و أسيد بن حضير" بقدم مصعب و أسعد ، ضاقا بهما و أنكرا موضعهما من الحي ، قال سعد بن معاذ لصاحبه أسيد بن حضير : " لا أبا لك ! انطلق على هذين الرجلين فأزجرهما و انهما عن أن يأتيا دارينا . فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منى حيث علمت ، كفيتك ذلك : هو ابن خالتي و لا أجد عليه مقدماً" .
و التقط أسيد بن حضير حربته ومضى إلى صاحبي رسول الله فزجرهما متواعداً :
ـ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بنفسيكما حاجة .
قال له مصعب بن عمير :
ـ أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، و إن كرهته كُفَّ عنك ما تكره ؟
فركَّز أسيد حربته و اتكأ عليها يصغي إلى ما يتلو مصعب من القرآن . ثم أعلن إسلامه من فوره ، وعاد إلى قومه فعرفوا أنه جاء بغير الوجه الذي ذهب به . و ما زال أسيد بسعد بن معاذ حتى صحبه إلى ابن خالته أسعد بن زرارة ، فبادره سعد سائلاً في غضب و إنكار :
" يا أبا أمامة ، لولا ما بيني و بينك من القرابة ما رمت هذا مني . أتغشانا في دارنا بما نكره ؟ " .
ولم يجب أبو أمامه ، بل أشار على صاحبه " مصعب " الذي استهل سعد بن معاذ حتى يسمع منه ، ثم تلا آيات من معجزة المصطفى ، نفذت إلى قلب ابن معاذ فمزقت عنه حجب الغفلة و غشاوة الضلال . و أعلن إسلامه و عاد إلى قومه فسألهم : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟
أجابوا جميعاً : سيدنا ، و أفضلنا رأياً ، و أيمننا فيكم ؟
فأجابوا جميعاً : سيدنا ، وأفضلنا رأياً ، و أيمننا نقيبة .
فعرض عليم الإسلام " فو الله ما أمسى في حي بني عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا مسلماً و مسلمة "[سيرة بن هشام ].
هل فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا بمعجزة المصطفى بمجرد سماعهم آيات منها ، دون غيرهم ممن لجوا في العناد و التكذيب ؟
إن القرآن لم يفرض إعجازه البياني من أول المبعث ، على هؤلاء الذين سبقوا إلى الإيمان به فحسب ، بل فرضه كذلك على من ظلوا على سفههم و شركههم ، عناداً و تمسكاً بدين الآباء و نضالاً عن أوضاع دينية و اقتصادية و اجتماعية لم يكونوا لم يكونوا يريدون لها أن تتغير .
و في الخبر أن من طواغيت قريش و صناديد الوثنية العتاة من كانوا يتسللون في اوئل عصر المبعث خفية عن قومهم ، ليسعوا آيات هذا القرآن دون أن يملكوا إرادتهم .
روى " ابن إسحاق " في السيرة أن أبا سفيان بن حرب العبشي ، و أبا جهل ابن هشام المخزومي ، والأخنس بن شريق الزهري ، خرجوا ذات ليهة متفرقين على غير موعد ، إلى حيث يستمعون من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلى و يتلو القرآن في بيته . فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، و لا أحد منهم يعلم بمكان صاحبيه . فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا و قال بعضهم لبعض :
" لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً " ثم انصرفوا .
حتى إذا كانت الليلة التالية ، عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبيه .
فباتوا يستمعون للمصطفى حتى طلع الفجر فتفرقوا و جمعهم الطريق فتلاوموا ، وانصرفوا على ألا يعودوا .
لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة الثالثة و باتوا يستعمون إلى القرآن[سيرة بن هشام ].
[/center]
من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش ، على أن يحولوا بين العرب و بين سماع هذا القرآن . فكان إذا أهل الموسم و آن وفود العرب للحج ، ترصدوا لها عند مداخل مكة ، و أخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء و أبيه و أخيه ، و بين المرء و زوجه وولده و عشيرته .
و ربما وصلت آيات منه إلى سمع أشدهم عداوة للإسلام، فألقى سلاحه مصدقاً و مبايعاً ، عن يقين بأن هذه الكلمات ليست من قول البشر.
حدثوا أن " عمر بن الخطاب " خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم و رهطاً من أصحابه ، في بين عنده " الصفا " سمع أنهم مجتمعون فيه ، فلقيه في الطريق من سأله :
ـ أين تريد يا عمر ؟
أجاب : أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش و سفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتا ، فأقتله .
قال له صاحبه :
ـ غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض و قد قتلت محمداً ؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟
سأله عمر ، وقد رابه ما سمع :
ـ أي أهل بيتي تعني؟
فأخبره أن صهره و ابن عمه " سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " قد أسلم .
و كذلك أسلمت زوجته ، أخت عمر " فاطمة بنت الخطاب".
فأخذ " عمر " طريقه إلي بيت صهره مستثار الغضب ، يريد أن يقتله و يقتل زوجته فاطمة . فما كاد يدنو من الباب حتى سمع تلاوة خافتة لآيات من سورة طه ، فدخل يلح طلب الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله ....
و انطلق من فوره إلي البيت الذي اجتمع فيه المصطفى بأصحابه ، فبايعه ، وأعز الله الإسلام بعمر ، وقد كان من أشد قريش عداوة للإسلام و حرباً للرسول . [سيرة بن هشام ] .
و في حديث بيعة العقبة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب صاحبه " مصعب بن عمير " ليذهب مع أصحاب العقبة إلى يثرب ، ليقرئهم القرآن و يعلمهم الإسلام . فنزل هناك على " أسعد بن زراة " الأنصاري الخزرجي .
فحدث أن خرجا يوماً إلى حي بني عبد الأشهل رجاء في أن يسلم بعض القوم . فما سمع كبير الحي " سعد بن معاذ ، و أسيد بن حضير" بقدم مصعب و أسعد ، ضاقا بهما و أنكرا موضعهما من الحي ، قال سعد بن معاذ لصاحبه أسيد بن حضير : " لا أبا لك ! انطلق على هذين الرجلين فأزجرهما و انهما عن أن يأتيا دارينا . فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منى حيث علمت ، كفيتك ذلك : هو ابن خالتي و لا أجد عليه مقدماً" .
و التقط أسيد بن حضير حربته ومضى إلى صاحبي رسول الله فزجرهما متواعداً :
ـ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بنفسيكما حاجة .
قال له مصعب بن عمير :
ـ أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، و إن كرهته كُفَّ عنك ما تكره ؟
فركَّز أسيد حربته و اتكأ عليها يصغي إلى ما يتلو مصعب من القرآن . ثم أعلن إسلامه من فوره ، وعاد إلى قومه فعرفوا أنه جاء بغير الوجه الذي ذهب به . و ما زال أسيد بسعد بن معاذ حتى صحبه إلى ابن خالته أسعد بن زرارة ، فبادره سعد سائلاً في غضب و إنكار :
" يا أبا أمامة ، لولا ما بيني و بينك من القرابة ما رمت هذا مني . أتغشانا في دارنا بما نكره ؟ " .
ولم يجب أبو أمامه ، بل أشار على صاحبه " مصعب " الذي استهل سعد بن معاذ حتى يسمع منه ، ثم تلا آيات من معجزة المصطفى ، نفذت إلى قلب ابن معاذ فمزقت عنه حجب الغفلة و غشاوة الضلال . و أعلن إسلامه و عاد إلى قومه فسألهم : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟
أجابوا جميعاً : سيدنا ، و أفضلنا رأياً ، و أيمننا فيكم ؟
فأجابوا جميعاً : سيدنا ، وأفضلنا رأياً ، و أيمننا نقيبة .
فعرض عليم الإسلام " فو الله ما أمسى في حي بني عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا مسلماً و مسلمة "[سيرة بن هشام ].
هل فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا بمعجزة المصطفى بمجرد سماعهم آيات منها ، دون غيرهم ممن لجوا في العناد و التكذيب ؟
إن القرآن لم يفرض إعجازه البياني من أول المبعث ، على هؤلاء الذين سبقوا إلى الإيمان به فحسب ، بل فرضه كذلك على من ظلوا على سفههم و شركههم ، عناداً و تمسكاً بدين الآباء و نضالاً عن أوضاع دينية و اقتصادية و اجتماعية لم يكونوا لم يكونوا يريدون لها أن تتغير .
و في الخبر أن من طواغيت قريش و صناديد الوثنية العتاة من كانوا يتسللون في اوئل عصر المبعث خفية عن قومهم ، ليسعوا آيات هذا القرآن دون أن يملكوا إرادتهم .
روى " ابن إسحاق " في السيرة أن أبا سفيان بن حرب العبشي ، و أبا جهل ابن هشام المخزومي ، والأخنس بن شريق الزهري ، خرجوا ذات ليهة متفرقين على غير موعد ، إلى حيث يستمعون من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلى و يتلو القرآن في بيته . فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، و لا أحد منهم يعلم بمكان صاحبيه . فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا و قال بعضهم لبعض :
" لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً " ثم انصرفوا .
حتى إذا كانت الليلة التالية ، عاد كل منهم إلى مجلسه لا يدري بمكان صاحبيه .
فباتوا يستمعون للمصطفى حتى طلع الفجر فتفرقوا و جمعهم الطريق فتلاوموا ، وانصرفوا على ألا يعودوا .
لكنهم عادوا فتسللوا في الليلة الثالثة و باتوا يستعمون إلى القرآن[سيرة بن هشام ].
الاعجاز البيانى
[center]القرآن[سيرة بن هشام ].
[center]القرآن[سيرة بن هشام ].