للشيخ محمد بن صالح المنجّد
الإخلاص
أعمال القلوب اهتم بها العلماء فصنفوا فيها المؤلفات ، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها. أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، وبما أن النجاة مدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي إذا صحّت أعمال القلوب.
الإخلاص هو أولها وأهمها وأعلاها وأساسها، هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)(ألا لله الدين الخالص).
الإخلاص هو لب العبادة وروحها، قال ابن حزم: النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.
والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.
معنى الإخلاص
خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً وخلصت إلى الشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص لله ترك الرياء.
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون ، وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.
وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:
- أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
- إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
- تصفية العمل من كل شائبة.
المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عزوجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (قل الله أعبد مخلصاً له ديني).
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه.
قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون موافقاً للسنة ، ثم قرأ : (فمن كان يرجو رحمة ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
وقال تعالى: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) يعني أخلص القصد والعمل لله ، والإحسان متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)، ( ذلك خير للذين يريدون وجه الله )،( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي مالها يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى).
وأما أهل النقيض وأهل الرياء فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار)، ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً)، ( من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب)، ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورءاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط).
وقد مدح الله المخلصين : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً)، ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه).
في غزوة أحد أراد الله الابتلاء والتمحيص ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة).
قال صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات) ، إنه أهم حديث، علمنا إياه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في الصلاة والصيام والحج وغيرها..
قال صلى الله عليه وسلم : ( من غزا في سبيل الله ولم ينوي إلا عقالاً فلهو ما نوى)..، كذلك فإن بعث الناس على حسب نياتهم : (إنما يبعث الناس على نياتهم)..